بالاضافة إلى المكلف به ، وعليه فإن كان المكلف به مقدوراً لم يكن التكليف به لغواً ، حيث إنّه يمكن أن يصير داعياً إليه ، وإن لم يكن مقدوراً كان التكليف به لغواً محضاً ، لعدم إمكان كونه داعياً ، ومن الواضح أنّه لا فرق في هذه النقطة بين أن يكون مستند عدم القدرة سوء الاختيار أو غيره ، بداهة أنّ عدم القدرة المسبب عن سوء الاختيار لايصحح تكليف المولى لغير القادر وإلاّ لجاز للمولى أن يأمر عبده بالجمع بين الضدّين معلّقاً على أمر اختياري كالصعود على السطح أو نحو ذلك ، وهو باطل قطعاً حتّى عند القائل بهذا القول.
وأمّا القول الثاني : فلأنّ الخطاب وإن كان لغواً كما عرفت إلاّ أنّه لا مانع من العقاب ، وذلك لأنّ المكلف حيث كان متمكناً في بداية الأمر أن لا يجعل نفسه مضطراً إلى ارتكاب الحرام ومع ذلك لو جعل نفسه كذلك بسوء اختياره وارتكب الحرام حكم العقل باستحقاقه العقاب لا محالة ، لأنّه منته إلى اختياره ، ومن الطبيعي أنّ العقل لا يفرّق في استحقاق العقاب على فعل الحرام بين كونه مقدور الترك بلا واسطة أو معها ، وإنّما يحكم بقبح استحقاقه على ما لا يكون مقدوراً له أصلاً. فالنتيجة : أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وينافيه خطاباً.
نعم ، قد تستعمل هذه القاعدة في مقام نقد نظرية الجبر وعدم الاختيار للعبد ، ولكنّه بمعنى آخر ، والفرق بين المعنيين هو أنّ المراد من الامتناع هنا الامتناع الوقوعي ، والمراد من الامتناع هناك هو الامتناع بالغير وهو اختيار العبد وإرادته. وقد تقدّم الكلام فيها من هذه الناحية بشكل موسع عند ما تعرضنا لنظرية الجبر ونقدها (١).
__________________
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٣٩٨.