المقدمات المفوّتة في أمثال هذه الموارد ، وأ نّه كيف يمكن الحكم بوجوبها مع عدم وجوب ذيها. وقبل التعرض لدفع الاشكال وبيان الأقوال فيه ينبغي تقديم أمرين :
الأوّل : أنّ ما اشتهر بين الأصحاب من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وينافيه خطاباً في غاية الصحة والمتانة ، فلو اضطرّ الانسان نفسه باختياره إلى ارتكاب محرّم كما لو دخل في الأرض المغصوبة أو ألقى نفسه من شاهق أو ما شاكل ذلك ، فعندئذ وإن كان التكليف عنه ساقطاً ، لكونه لغواً صرفاً بعد فرض خروج الفعل عن اختياره ، وأمّا عقابه فلا قبح فيه أصلاً ، وذلك لأنّ هذا الاضطرار حيث إنّه منتهٍ إلى الاختيار فلا يحكم العقل بقبحه أبداً.
وناقش في هذه القاعدة طائفتان : فعن أبي هاشم المعتزلي (١) أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وخطاباً ، وكان للمولى في المثالين المذكورين أن ينهى عن التصرف في مال الغير بدون إذنه ، ويأمر بحفظ نفسه ، بدعوى أنّه لا مانع من التكليف بغير المقدور إذا كان مستنداً إلى سوء اختياره. ويظهر اختيار هذا القول من المحقق القمي قدسسره أيضاً (٢). وفي مقابل هذا القول ادّعى جماعة منافاته للاختيار عقاباً وخطاباً. أمّا الخطاب فهو واضح ، لأنّه لغو صرف. وأمّا العقاب فلأ نّه عقاب على غير مقدور وهو قبيح عقلاً.
ولنأخذ بالنقد على كلا القولين :
أمّا القول الأوّل : فلأنّ الغرض من التكليف هو إحداث الداعي للمكلف
__________________
(١) البرهان في اصول الفقه ١ : ٢٠٨ ، المنخول : ١٢٩.
(٢) قوانين الاصول ٢ : ١٥٣.