الثالث : ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (١) وشيخنا الاستاذ (٢) قدسسرهما من أنّ الوجدان أصدق شاهد على ذلك ، فانّ من اشتاق إلى شيء وأراده فبطبيعة الحال إذا رجع إلى وجدانه والتفت إلى ما يتوقف عليه ذلك الشيء اشتاق إليه كاشتياقه إلى نفس الواجب ، ولا فرق من هذه الجهة بين الارادة التكوينية والارادة التشريعية وإن كانتا مختلفتين من حيث المتعلق.
والجواب عنه : أنّه إن اريد من الارادة الشوق المؤكد الذي هو من الصفات النفسانية الخارجة عن اختيار الانسان وقدرته غالباً ، ففيه : مضافاً إلى أنّ اشتياق النفس إلى شيء البالغ حدّ الارادة إنّما يستلزم الاشتياق إلى خصوص مقدماته الموصلة لو التفت إليها لا مطلقاً ، أنّ الارادة بهذا المعنى ليست من مقولة الحكم في شيء ، ضرورة أنّ الحكم فعل اختياري للشارع وصادر منه باختياره وارادته.
وإن اريد منها الاختيار وإعمال القدرة نحو الفعل ، فهي بهذا المعنى وإن كانت من مقولة الأفعال ، إلاّ أنّ الارادة التشريعية بهذا المعنى باطلة ، وذلك لما تقدّم بشكل موسّع من استحالة تعلّق الارادة بهذا المعنى أي إعمال القدرة بفعل الغير.
وإن اريد منها الملازمة بين اعتبار شيء على ذمة المكلف وبين اعتبار مقدماته على ذمته ، فالوجدان أصدق شاهد على عدمها ، بداهة أنّ المولى قد لا يكون ملتفتاً إلى توقفه على مقدماته كي يعتبرها على ذمته. على أنّه لا مقتضي لذلك بعد استقلال العقل بلا بدّية الاتيان بها ، حيث إنّه مع هذا لغو صرف.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الصحيح في المقام أن يقال : إنّه لا دليل
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٢٦.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٣٥.