وأجاب عن ذلك السيِّد الطباطبائي قدسسره في عروته (١) بأ نّه لا مانع من اجتماع الوجوب الغيري والاستحباب النفسي في شيء واحد من جهتين بناءً على ما اختاره قدسسره من جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد من جهتين ، وبما أنّ في المقام الجهة متعددة ، فان جهة الوجوب الغيري وهي المقدمية غير جهة الاستحباب النفسي ـ وهي ذوات الأفعال ـ وعليه فلا مانع من اجتماعهما ، ولا يوجب ذلك اندكاك الاستحباب في الوجوب.
وغير خفي أن تعدد الجهة إنّما يجدى في جواز اجتماع الأمر والنهي إذا كانت الجهة تقييدية ، وأمّا إذا كانت تعليلية كما في المقام فلا أثر لتعددها أصلاً.
والصحيح في الجواب : هو ما أشرنا إليه في ضمن البحوث السالفة من أنّ عروض الوجوب الغيري على ما كان مستحباً في نفسه بناءً على نظريتنا لا يوجب اندكاك الاستحباب وتبدله بالوجوب ، بل هو باق على محبوبيته وملاكه الكامنين في الفعل ، وإنّما يرفع حدّه ـ وهو الترخيص في الترك ـ وعليه فإذا أتى المكلف بها بداعي المحبوبية فقد تحققت العبادة.
الثاني : أنّ المكلف إذا جاء بالطهارات الثلاث بداعي التوصل إلى الواجب النفسي وكان غافلاً عن محبوبيتها النفسية ثمّ بدا له في الاتيان بذلك الواجب ، فهل تقع الطهارات عندئذ عبادة؟ فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ ذلك لا يكون مانعاً عن وقوعها عبادة ، أمّا بناءً على وجوب المقدمة مطلقاً فواضح ، وأمّا بناءً على عدم وجوبها كذلك كما هو المختار أو بناءً على وجوب خصوص المقدمة الموصلة ، فهي وإن لم تتصف بالوجوب الغيري إلاّ أنّك عرفت أنّ وقوعها عبادة لا يتوقف على وجوبها الغيري حيث يكفي في ذلك الاتيان بها بداعي التوصل
__________________
(١) العروة الوثقى ١ : ١٦٩ المسألة [٥٧٢].