أمّا في الأفعال الاختيارية التي هي محلّ الخلاف في المسألة : فهي بديهية البطلان ولو سلّمنا أنّها صحيحة في الموجودات التكوينية ، والوجه في ذلك ما ذكرناه في بحث الطلب والارادة من أنّ الفعل الاختياري مسبوق باعمال القدرة والاختيار ، وهو فعل اختياري للنفس ، وليس من مقولة الصفات ، وواسطة بين الارادة والأفعال الخارجية ، فالفعل في كل آن يحتاج إليه ، ويستحيل بقاؤه بعد انعدامه وانتفائه.
أو فقل : إنّ الفعل إذا كان تابعاً لاعمال قدرة الفاعل فلا محالة كان الفاعل إذا أعمل قدرته فيه تحقق في الخارج ، وإن لم يعملها فيه استحال تحققه ، وكذا إن استمرّ على إعمال القدرة فيه استمرّ وجوده ، وإن لم يستمر عليه استحال استمراره ، وهذا واضح.
وعلى الجملة : لا فرق بين حدوث الفعل الاختياري وبقائه في الحاجة إلى السبب والعلة ـ وهو إعمال القدرة ـ فان سرّ الحاجة وهو إمكانه الوجودي وفقره الذاتي كامن في صميم ذاته ووجوده ، مع أنّ البقاء هو الحدوث ، غاية الأمر أنّه حدوث ثانٍ ووجود آخر في مقابل الوجود الأوّل ، والحدوث هو الوجود الأوّل غير مسبوق بمثله ، وعليه فإذا تحقق فعل في الخارج من الفاعل المختار كالتكلّم مثلاً ، الذي هو مضاد للسكوت ، أو الحركة التي هي مضادة للسكون ، أو الصلاة التي هي منافية للازالة ، فهذا الفعل كما أنّه في الآن الأوّل بحاجة إلى إعمال القدرة فيه والاختيار ، كذلك بحاجة إليه في الآن الثاني والثالث وهكذا ، فلا يمكن أن نتصور استغناءه في بقائه عن الفاعل بالاختيار.
وعلى هذا الضوء لا فرق بين الضدّ الموجود والمعدوم ، إذ كما أنّ تحقق كل منهما في الزمان الأوّل كان متوقفاً على وجود مقتضيه ـ الاختيار وإعمال القدرة ـ كذلك تحققه في الزمان الثاني كان متوقفاً عليه. وقد أشرنا آنفاً أنّ