محلّه (١) أنّ التخيير بينهما مستحيل إلاّ إذا رجع إلى التخيير بين المتباينين وتفصيل ذلك هو أنّ مردّ جواز البدار واقعاً إلى أنّ الفرد المضطر إليه مأمور به بالأمر الاضطراري الواقعي حقيقة وواف بتمام مصلحة الواقع ، وإلاّ فلا يجوز البدار كذلك قطعاً. ومردّ التخيير المزبور إلى عدم كون الفرد المضطر إليه مأموراً به كذلك وعدم كونه وافياً بتمام المصلحة ، وذلك لأنّ الشارع إذا لم يكتف بالعمل الناقص في أوّل الوقت وأوجب على المكلف الاتيان بالعمل التام الاختياري بعد رفع الاضطرار والعذر ، سواء أكان المكلف آتياً بالعمل الاضطراري الناقص في أوّل الوقت أم لم يأت به ، فبطبيعة الحال لا معنى لايجابه العمل الاضطراري الناقص وإلزام المكلف باتيانه ولو على نحو التخيير ، فانّه بلا ملاك يقتضيه.
وبكلمة اخرى : أنّ الصورة الاولى والثانية والثالثة في كلامه قدسسره وإن كانت من الصور المعقولة بحسب مقام الثبوت ، إلاّ أنّ الصورة الأخيرة وهي الصورة الرابعة غير معقولة ، إذ بعد فرض أنّ الشارع لم يرفع اليد عن الواقع وأوجب على المكلف الاتيان به على كل من تقديري الاتيان بالعمل الاضطراري الناقص في أوّل الوقت وعدم الاتيان به ، فعندئذٍ بطبيعة الحال لا معنى لايجابه الفرد الناقص ، حيث إنّه لا يترتّب على وجوبه أثر ، بل لازم ذلك وجوبه على تقدير المبادرة وعدمه على تقدير عدمها. وأيضاً لازم ذلك كونه مصداقاً للواجب على تقدير الاتيان به ، وعدم كونه كذلك على تقدير عدم الاتيان به ، والسر في كل ذلك ما ذكرناه من أنّ التخيير المذكور غير معقول.
فالنتيجة على ضوء ما بيّناه : أنّ الواجب هو الطبيعي الجامع بين المبدأ
__________________
(١) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ٢٢٩.