ونعود إلى ما زعمه صاحب الدراسة التي بدأنا الحساب معه في مقولته : « كان ابن عباس يهاب عمر بن الخطاب ـ إلى قوله ـ فهذا يدلّ دلالة واضحة على مدى هيبة ابن الخطاب في نفس تلميذه ... ».
فنقول له : لقد أسرك الوهم فأنت في أساره ، فأسأت الفهم وأنت في عواره ، فليس في هذا الزعم مخض ، فلقد مرّ بنا ـ في الشاهد الثالث على أخذ عمر من ابن عباس نقلاً عن عبد الرزاق في حديثه ـ قول ابن عباس : « فقلت لعمر : لم تظلم؟ » ، وفي لفظ السيوطي في « الدر المنثور » : « لا تظلم » (١) ، فمن كان بهذه المثابة من الجرأة لا يقال فيه أنّه كان يهاب عمرٌ بمعنى كان يخافه ويتّقيه في قولة الحق ، بل المعنى كنت أجلّه وأحذره (٢) ، كما يوحي بذلك جوّ الحديث الذي أشار إليه الدارس مستدلاً به وقد غمغم فيه ، إذ لم يكن له فيه دلالة واضحة ـ كما زعم ـ لذلك لم يذكره بتمامه ، ليقف القارئ بنفسه على صحة إستدلاله ، ولئن زاغ عن ذكره فنذكره تنويراً للقارئ نقلاً عن صحيح البخاري ، وليعرف أنّ الهيبة التي زعمها الدارس ، إنّما هي الخشية من إثارة الحفيظة فيغضبه ، فأجلّه وحذره طيلة تلك المدّة التي كان مصرّاً في نفسه على إنتزاع اعتراف من عمر
____________
(١) الدر المنثور ٦ / ٤٠.
(٢) هابه يهابه ( من باب علم ) هيبا وهيبة ومهابة ، خافه واتقاه وأجلّه وحذره ( قطر المحيط ٢ / ٢٣٢٣ ) ط بيروت سنة ١٨٦٩ م.