لكن موجبيّته باطلة ؛ إذ معناه ما لا ينفكّ عن « أين ».
وقد بيّنّا أنّه تعالى قديم وأنّ أثره ـ وهو العالم ـ محدث ، ولو لم ينفكّ عنه لزمه إمّا قدم العالم أو حدوث الله تعالى ، وهو باطل ؛ ولأنّه لو كان موجبا لزم تغيّره بتغيّر شيء من العالم ؛ لأنّ التغيّر لا بدّ وأن ينتهي بالأخرة إلى الله تعالى ؛ إذ هو علّة العلل ، والتغيّر على الله محال ؛ لما ثبت من وجوب وجوده ، فلا يكون موجبا.
واعلم أنّه ينبغي في ثبوت حدوث الأجسام وجود الحادث اليومي ، ويلزم من ثبوت حدوث الأحياز حدوث كلّ ما سوى الله تعالى.
وما زعم الخصم أنّه موجود غير متحيّز ولا حالّ فيه ، وسمّاه بالنفوس والعقول ، فإنّها إن ثبتت كانت حادثة بدليل الأحياز ، والواسطة الممتازة بين الله تعالى وبين العالم منتفية بإجماع المسلمين ؛ ولأنّها من جملة العالم ؛ لما يأتي من استحالة تعدّد الواجب ، فهي ممكنة ، وكلّ ممكن محدث ، وكلّ محدث مفعول بالأحياز ؛ ولأنّ العالم كلّ موجود سوى الله تعالى ، فلا يعقل إذا واسطة بين الله تعالى وبين العالم.
[ المسألة ] السابعة : الله تعالى عالم ، ونعني به أنّه بيّن الأشياء تبيينا بموجب إحكام الفعل وإتقانه.
وبرهانه : أنّه قد ثبت أنّه قادر مختار ، والمختار إنّما يفعل بتوسّط قصد (١) وداع ، وهما لا يتوجّهان إلى النبيّ إلّا بعد العالم ؛ ولأنّه تعالى أحكم صنع العالم وأتقنه ؛ لأنّه ما من شيء من مخلوقاته إلّا وهو منتهى للمنافع المطلوبة منه ، وكلّ من كان كذلك يسمّى في اللغة العربيّة عالما فيكون البارئ تعالى عالما.
[ المسألة ] الثامنة : الله تعالى حيّ ، وهو بيّن الثبوت بعد إثبات كون الله تعالى قادرا عالما ؛ لاستحالة قدرة وعلم من غير حياة. وهذا تنبيه لا دليل.
[ المسألة ] التاسعة : الله تعالى واحد لا شريك له في خلق العالم ، ولا في وجوب الوجود ، ولا في استحقاق المعاد ؛ لأنّه لو كان معه إله واجب الوجود لاشتركا في هذا الوصف
__________________
(١) في الأصل : « ضد » والمثبت هو الصحيح.