أمّا إذا كان موجبا : فلأنّه حينئذ يلزم وجوبه في صورة النزاع.
وأمّا إذا لم يكن موجبا : فلأنّه يلزم عدم وجوبه في الصورة الأخرى ؛ إذ لو ثبت الوجوب لكان موجبا ؛ قضيّة للدوران. وبعض هذه الوجوه إلزاميّ ويمكن ردّه إلى الآخر.
احتجّ الآخرون : بأنّه لو سلّم جميع ما ذكر تموه من الأدلّة فإنّ معنا ما ينفيه ، وهو وجوه ثلاثة :
[ الوجه ] الأوّل : أنّ السفر مناف للصوم الواجب ، والإتيان بمنافي الواجب حرام ، ينتج :
أنّ السفر حرام. ثمّ نقول : كلّ سفر حرام لا يسوّغ فيه القصر ، وهو ينتج : هذا السفر لا يسوّغ فيه القصر.
أمّا الأولى : فلأنّ السفر لازم جواز الإفطار أو وجوبه ، والصوم لازمه تحريمه ، فتنافي اللازم يستلزم تنافي الملزومات.
وأمّا الثانية : فلأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه ، أو يستلزمه ، والنهي يدلّ على الفساد في العبادات.
وأمّا الثالثة : فلما مرّ (١) من حديث عمّار بن مروان.
والوجه الثاني : التمسّك بقوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٢).
وتقريره بمقدّمات :
أ : أنّ « من » في المجازات للعموم ، وقد تقرّر في الأصول. (٣)
ب : أنّ الحاضر عند دخول الشهر شاهد ، وهو معلوم بالضرورة.
ج : أنّ الصوم على الشاهد واجب ، وهو منطوق قوله تعالى : ( فَلْيَصُمْهُ ).
د : أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه.
ه : أنّ السفر ضدّ ، وقد تقدّم.
فنقول ـ إذا تقرّرت هذه المقدّمات ـ : لو جاز السفر في صورة النزاع ، لكان إمّا أن يوجب
__________________
(١) تقدّم في ص ٢٥٥.
(٢) البقرة (٢) : ١٨٥.
(٣) عدّة الأصول ١ : ١٠٤ ؛ مبادئ الوصول : ١٢٠ ـ ١٢١.