.................................................................................................
______________________________________________________
أقول : قد ذكرنا في بحث الأُصول أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح ، أعني الدلالة على العلّية المنحصرة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء فلا معارضة بين قوله : أكرم رجلاً عادلاً ، وبين قوله : أكرم رجلاً هاشمياً ، كما تتحقّق المعارضة بينهما لو كان بنحو القضية الشرطية ، إلّا أنّ التقييد بالوصف يدلّ لا محالة على أنّ الموضوع للحكم ليس هو الطبيعة على إطلاقها وسريانها ، وإلّا كان التقييد به من اللغو الظاهر (١).
فلو ورد في دليل : أكرم رجلاً ، لكان معارضاً مع قوله : أكرم رجلاً عادلاً بطبيعة الحال ، لدلالة الأوّل على أنّ الموضوع ذات الرجل أينما سرى وحيثما تحقّق. وقد عرفت أنّ الثاني ينفي ذلك.
وعلى الجملة : لا نضايق من أنّ الوصف لا يقتضي الانحصار ، لجواز قيام خصوصية أُخرى مقامه كالهاشمية في المثال ، لكن لا مناص من الالتزام بدلالته على عدم كون الطبيعة المطلقة موضوعاً للحكم ، حذراً من لغوية القيد كما عرفت.
ودعوى جواز أن تكون النكتة في ذكره العناية بشأنه والاهتمام بأمره ، أو لبيان أفضل الأفراد لمزيّة فيه ، كلّ ذلك مخالف لظاهر الكلام ، ولا يكاد يساعده الفهم العرفي ما لم تقم عليه قرينة خاصّة ، ولعلّه إلى ما ذكرنا ينظر قول أهل الأدب من أنّ الأصل في القيد أن يكون احترازياً ، مع اعترافهم بعدم المفهوم للوصف بالمعنى المصطلح.
وعليه فصحيحتا أبي بصير وزرارة متنافيتان لا محالة ، إذ التقييد بالمهاجر الواقع في كلام الإمام عليهالسلام في صحيح زرارة كاشف عن عدم كون موضوع الحكم مطلق الأعرابي ، وإلّا لم يكن وجه للتقييد به كما عرفت.
وقد دلّت صحيحة أبي بصير على أنّ الموضوع مطلق الأعرابي ، وأنّه لا يؤتمّ به ولا بغيره من المذكورات فيها على كلّ حال ، فلا مناص من حمل المطلق
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.