.................................................................................................
______________________________________________________
صدور الفسق منه مثل ما لو رأيناه يشرب مائعاً وشككنا في أنّه نجس وهو عالم بالنجاسة فيشربها عاصياً ، أم أنّه جاهل. وبين الشبهة الحكمية بأن صدر منه فعل ولم يعلم حرمته في الشريعة المقدّسة كما لو رأيناه يشرب النبيذ عالماً بكونه نبيذاً ، ولم ندر أنّه يرى حلّيته اجتهاداً أو تقليداً فلا يضرّ بعدالته ، أم أنّه يرى حرمته فيشربه على جهة المعصية.
ففي جميع ذلك بما أنّ الحرام الواقعي بنفسه لا يوجب العصيان ولا يترتّب عليه الإثم ما لم يتنجّز على المكلّف بعلم أو علمي ، ولم يعلم صدور الفعل منه على جهة المعصية ، فلا مانع من استصحاب العدالة.
وليس ذلك من جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية أو الشبهة المفهومية ، لوضوح أنّ مجرى الاستصحاب هي العدالة ، التي هي موضوع خارجي ، والشبهة في الحكم أو المفهوم أو الموضوع من مناشئ الشكّ في العدالة وأسبابه ، وليست هي مجرى للأصل ، فلا ينافي ذلك ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولا المفهومية ، التي لا يقول بجريان الاستصحاب فيها غيرنا أيضاً.
نعم ، يمكن فرض الشبهة المفهومية في نفس العدالة بناءً على التشكيك في حقيقتها ، وأنّها عبارة عن الاجتناب عن الكبائر ، أو هي مع الصغائر (١) كما عليه المشهور ، فرأينا صدور الصغيرة منه كالنظر إلى الأجنبيّة وبذلك شككنا في بقاء عدالته ، فإنّه لا مجال لاستصحابها حينئذ ، لما هو المحقّق في محلّه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية (٢).
وأمّا بناءً على ما هو التحقيق من إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة ، وأنّ المعاصي كلّها من الكبائر على ما مرّ الكلام عليه عند البحث عن حقيقة
__________________
(١) [الموجود في الأصل : أو هي مع الإصرار على الصغائر. ولعلّ الصحيح ما أثبتناه].
(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٣٤.