يرشف دوماً ثغره الكريم ، ذلك الثغر الذي قال كلمة الله وفجّر ينابيع العدل والحقّ في الأرض.
من النزعات الفذّة التي تفرّد بها سيّد الشهداء الصبر على نوائب الدنيا ومحن الأيّام ، فقد تجرّع مرارة الصبر منذ أن كان طفلاً ، فرزئ بجدّه واُمّه ، وشاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه ، وما عاناه من المحن والخطوب ، وتجرّع مرارة الصبر في عهد أخيه ، وهو ينظر إلى خذلان جيشه له وغدرهم به ، حتّى اُرغم على الصلح ، وبقي معه يشاركه في محنه وآلامه ، حتّى اغتاله معاوية بالسمّ ، ورام أن يوارى جثمانه بجوار جدّه فمنعته بنو اُميّة فكان ذلك من أشقّ المحن عليه.
ومن أعظم الرزايا التي صبر عليها أنّه كان يرى انتقاض مبادئ الإسلام ، وما يوضع على لسان جدّه من الأحاديث المنكرة التي تغيّر وتبدّل شريعة الله ، ومن الدواهي التي عاناها أنّه كان يسمع سبّ أبيه وانتقاصه على المنابر ، وقيام الطاغية زياد بإبادة شيعتهم واستأصل محبّيهم ، فصبر على كلّ هذه الرزايا والمصائب.
وتواكبت عليه المحن الشاقّة التي تميد بالصبر في يوم العاشر من المحرم ، فلم يكد ينتهي من محنة حتّى تطوف به مجموعة من الرزايا والآلام ، فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته ، وقد تناهبت السيوف والرماح أشلاءهم فيخاطبهم بكل طمأنينة وثبات : «صبراً يا أهل بيتي ، صبراً يا بني عمومتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم».