ولمّا اجتمع الأوس والخزرج في سقيفة بني ساعدة انبرى سعد بن عبادة زعيم الخزرج إلى افتتاح مؤتمرهم ، وكان مريضاً فلم يتمكّن أن يجهر بكلام ، وإنما كان يقول ويبلّغ مقالته بعض أقربائه ، وهذا هو نصّ خطابه :
يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين ، وفضيلة في الإسلام ليست لأحد من العرب. إنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمان وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به إلاّ القليل ما كانوا يقدرون على منعه ، ولا على إعزاز دينه ، ولا على دفع ضيمٍ ، حتّى إذا أراد الله بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ، وخصّكم بالنعمة ، ورزقكم الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه ؛ فكنتم أشدّ الناس على عدوه ، حتّى استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً ، وأعطى البعيد المقادة صاغراً ، فدانت لرسوله بأسيافكم العرب ، وتوفّاه الله وهو عنكم راضٍ ، وبكم قرير العين ، استبدّوا بهذا الأمر دون الناس فإنه لكم دونهم (١).
وحفل خطابه بالنقاط التالية :
١ ـ الإشادة بنضال الأنصار وبسالتهم الفذّة في نصرة الإسلام وإعزاز كلمته ، وقهر القوى المعادية له ، حتّى استقام أمره وهو عبل الذراع ، فلهم الفضل الأكبر في نشره وازدهاره ، فهم الذين حموا النبي (صلّى الله عليه وآله) أيّام محنته وغربته ، فإذاً هم أولى بالنبي (صلّى الله عليه وآله) وأحقّ بمنصبه من غيرهم ؛ لأن مَن كان عليه العزم فهو أولى بالغنم.
٢ ـ التنديد بالاُسر القرشية التي ما آمنت بالنبي (صلّى الله عليه وآله) ، وناهضت
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ / ٢٢٢ ، الطبري ٣ / ٣٠٧.