وإذا كان هناك وزر في قتل عثمان فوزره على معاوية ودمه في عنقه ، ومسؤوليته عن ذلك لا تدفع ، فهو أولى الناس به ، وأعظم الرجال شأناً في دولته ، وقد دعاه فيمَن دعا يستشيره في هذا الأمر وهو داهية الدهاة ، فما نهض إليه برأيه ، ولا دافع عنه بجنده ، وكأنه قد استطال ـ كما استطال غيره ـ حياته ، فترك الأيّام ترسم بيدها مصيره وتحدد نهايته ، فإذا جاز لأحد أن يظنّ بعلي أو بطلحة والزبير وغيرهم تقصيراً في حقّ عثمان فمعاوية هو المقصّر ، وإذا جاز أن يلام أحد غير عثمان فيما جرى فمعاوية هو الملوم.
وعلى أيّ حال ، فإن معاوية لمّا أبطأ عن إجابته ، بعث عثمان رسالة إلى يزيد بن كرز والي أهل الشام يستحثّهم على القدوم إليه لإنقاذه من الثوار ، ولمّا انتهى إليهم كتابه نفروا إلى إجابته تحت قيادة يزيد القسري ، إلاّ أنّ معاوية أمره بالإقامة بذي (خشب) وأن لا يتجاوزه ، فأقام الجيش هناك حتّى قُتل عثمان.
وكتب عثمان رسائل اُخرى إلى أهل الأمصار وإلى مَن حضر الموسم في مكّة يطلب منهم القيام بنجدته ، إلاّ أنهم لم يستجيبوا له ؛ لعلمهم بالأحداث التي ارتكبها.
وأحاط الثوار بعثمان ، وقد رجع إليهم الوفد المصري حينما استبان المكيدة الخطيرة التي دبّرت ضدّه ، وقد حاصروا عثمان وهم يهتفون بسقوطه
__________________
(١) الخطابة في صدر الإسلام ٢ / ٢٣.