عنّي الجوازي ؛ فقد قطعوا رحمي ، وسلبوني سلطان ابن اُمّي» (١).
ولم يعن بهم الإمام ، وانطلق يؤسس معالم سياسته العادلة ، ويحقق للاُمّة ما تصبوا إليه من العدالة الاجتماعية ، وقد أجمع رأيه على أن يقابلهم بالمثل ، ويسدّد لهم الضربات القاصمة إن خلعوا الطاعة وأظهروا البغي ، يقول (عليه السّلام) : «ما لي ولقريش! لقد قتلتهم كافرين ، ولأقتلنّهم مفتونين. والله لأبقرنّ الباطل حتّى يظهر الحقّ من خاصرته ، فقل لقريش فلتضجّ ضجيجها» (٢).
لقد جهدت قريش على إطفاء نور الله ، وتدمير المثُل الإسلاميّة بكل قواها ، في محاربة الإمام والإطاحة بحكومته ، كما جهدت من قبل على حرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وردّ رسالة الإسلام لمصدرها.
لا أعرف حاكماً سياسياً أو مصلحاً اجتماعياً تبنّى العدل بجميع رحابه ومفاهيمه كالإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فقد بنى حكمه على الحقِّ الخالص والعدل المحض ، وتبنّى مصالح المظلومين والمضطهدين على اختلاف قوميّاتهم وأديانهم ، وقد أجهد نفسه وكلّفها رهقاً فيما بسطه من صنوف العدل والمساواة ؛ فكان يشرف على كل بادرة في رقاع دولته ، ويتفقّد جميع شؤون رعيّته ؛ فكان يطيل التفكير في البؤساء والضعفاء في جميع أرجاء دولته الممتدّة الأطراف ، وقد رأى أن يشاركهم في جشوبة العيش ، وخشونة اللباس ، ويبيت طاوياً ؛ إذ لعلّ بالحجاز أو اليمامة مَن لا عهد له بالقوت ،
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٦ / ٣٦.
(٢) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٣٤١.