بحسراتكنّ ؛ فما حُفظ لي الحقّ ، ولا رُعيت منّي الذمة ، ولا قُبلت الوصية ، ولا عُرفت الحرمة» (١).
وخيّم على النسوة صمت رهيب ، وانعكس على وجوههنّ حزن شديد ، وغامت عيونهن بالدموع ، وانطلقن إلى بيوتهن بخطى ثقيلة ، فعرضن على أزواجهن كلمات زهراء الرسول ، فكانت وقعها عليهم أشدّ من ضربات السيوف ، فقد عرفوا مدى تقصيرهم تجاه وديعة نبيّهم ، وهرعن بعض اُمّهات المؤمنين إلى عيادتها ، فقلن لها : يا بنت رسول الله ، صيري لنا في حضور غسلك حظّاً.
فلم تجبهن إلى ذلك ، وقالت : «أتردن أن تقلن فيَّ كما قلتنّ في اُمّي؟ لا حاجة لي في حضوركنّ».
وتوالت الأمراض على وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) وفتك الحزن بجسمها النحيل المعذّب حتّى انهارت قواها ، وأصبحت لا تقوى على النهوض من فراشها ، وأخذت تذوي كما تذوي الأزهار عند الضماء ، فقد مشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغضّ الأهاب ، وقد حان موعد اللقاء القريب بينها وبين أبيها الذي غاب عنها وغابت معه عواطفه الفيّاضة.
ولمّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة طلبت حضور ابن عمّها الإمام أمير المؤمنين فعهدت إليه بوصيّتها ، وقد جاء فيها : أن يواري جثمانها المقدّس في غلس الليل البهيم ، وأن لا يشيّعها أحد من الذين هضموها ؛ لأنهم أعداؤها وأعداء أبيها ـ على حدّ تعبيرها ـ ، كما عهدت إليه أن يتزوّج من بعدها بابنة
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩٥.