الاُمويّة جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، وأعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلاً : «لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما».
وانطلق مع الاُسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الإسلام ، ويحقّق للاُمّة الإسلامية أعظم الانتصارات والفتح حتّى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس إرادة ، وأمضاهم عزيمة وتصميماً ، غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحيّر الألباب.
والصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين (عليه السّلام) الإباء عن الضيم ، حتّى لقّب (بأبي الضيم) ، وهي من أعظم ألقابه ذيوعاً وانتشاراً بين الناس ؛ فقد كان المثل الأعلى لهذه الظاهرة ، فهو الذي رفع شعار الكرامة الإنسانية ورسم طريق الشرف والعزّة ، فلم يخنع ولم يخضع لقرود بني اُميّة ، وآثر الموت تحت ظلال الأسنة. يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي :
والحسينُ الذي رأى الموتَ في العـ |
|
ـزِ حياةً والعيشَ في الذلِّ قتلا |
ووصفه المؤرّخ الشهير اليعقوبي بأنّه شديد العزّة (١). يقول ابن أبي الحديد :
سيّد أهل الإباء الذي علّم الناس الحميّة ، والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدنيّة ، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) عرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك. وسمعت النقيب
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٩٣.