أكره أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً.
ولكنه لم يلبث أن نقض رأيه ، فانتخب أعضاء الشورى السّتة ، وفوّض إليهم أمر الاُمّة ، كما فرض رأيهم على جميع المسلمين ، وبذلك فقد تحمّل الخلافة حيّاً وميّتاً. يقول ابن أبي الحديد : وأي شيء يكون من التحمّل أكثر من هذا؟! وأيّ فرق بين أن يتحمّلها بأن ينصّ على واحد بعينه ، وبين أن يفعل ما فعله من الحصر والترتيب (١)؟!
ودعا عمر أعضاء الشورى الذين انتخبهم وزكّاهم ، وزعم أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال فيهم : إنّهم من أهل الجنّة (٢). إلاّ أنّه لمّا اجتمعوا عنده وجّه إليهم أعنف النقد وأقساه ، وطعن في كل واحد منهم طعناً لاذعاً ، ورماهم بالنزعات الشريرة التي توجب القدح في ترشيحهم لمنصب الإمامة والخلافة ، وقد روى المؤرّخون حديثه بصور مختلفة ، وفيما يلي بعضها :
١ ـ إنه لمّا نظر إليهم قال : قد جاءني كل واحد منهم يهزّ عفريته يرجو أن يكون خليفة ... أمّا أنت يا طلحة ، أفلست القائل : إن قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) أنكح أزواجه من بعده؟ فما جعل الله محمداً أحقّ ببنات أعمامنا منّا ، فأنزل الله فيك : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (٣).
وأمّا أنت يا زبير ، فوالله ما لانَ قلبك ولا ليلة ، وما زلت جلفاً
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٦٠.
(٢) الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٥.
(٣) سورة الأحزاب / ٥٣.