وأنكر على مَنْ قال فيه : إنّه لا دراية له بالشؤون السياسية ، وإنّ معاوية خبير بها ، فقال (عليه السلام) : «والله ، ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس» (١).
وتحدّث (عليه السلام) عن الرسائل المنكرة التي يعتمد عليها بعض الناس في سبيل الوصول إلى أهدافهم من الغدر وما شاكله من المكر والنفاق ، وأنكر على الذين يبررون هذه الرسائل ويصفونها بحسن الحيلة ، فقال (عليه السلام) : «... وَلا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ ، وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً ، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ ، مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ».
على هذا الخلق بنى الإمام سياسته التي أضاءت في دنيا الإسلام ، وكانت السبب في خلوده ، واعتزاز الإنسانية به في جميع الأجيال والآباد.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المثل العليا في سياسة الإمام ، وهي من دون شك تنشد الأهداف الأصيلة التي رفع شعارها الإسلام ، ولكن لم يفقها ذلك الجيل الذي تعوّد على الإثرة ، وتعوّد على الاستغلال فلذلك لم يكتب لها النجاح.
وامتزجت عواطف الإمام أمير المؤمنين بعواطف ولده الحسين ،
__________________
(١) نهج البلاغة ٢٠ / ٢٠٦.