البلاء بشدّة وعنف بالغين حتّى تحامى لقاءه أكابر الصحابة ، فإنّ درّته ـ كما يقولون ـ كانت أهيب من سيف الحجّاج ، حتّى أنّ ابن عباس مع ما له من المكانة المرموقة والصلات الوثيقة به لم يستطع أن يجاهر برأيه في حلّية المتعة إلاّ بعد وفاته ، وقد خافه وهابه حتّى عياله وأبناؤه ، فلم يستطع أيّ واحد منهم أن يفرض إرادته عليه. ونعرض ـ بإيجاز ـ إلى بعض مناهج سياسته :
واتّفقت مصادر التاريخ الإسلامي على أنّ عمر عدل في سياسته عن منهج أبي بكر فلم يساوِ بين المسلمين في العطاء ، وإنما ميّز بعضهم على بعض ، وكان قد أشار على أبي بكر في أيّام خلافته العدول عن سياسته فلم يقبل وقال : إنّ الله لم يفضّل أحداً على أحد ، ولكنه قال : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) ، ولم يخص قوماً دون آخرين (١).
ولمّا أفضت إليه الخلافة عمل بما كان قد أشار به على أبي بكر ، وقال : إنّ أبا بكر رأى في هذا الحال رأياً ولي فيه رأي آخر ، لا أجعل مَن قاتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كمَن قاتل معه. وقد فرض للمهاجرين والأنصار ممن شهد بدراً خمسة آلاف خمسة آلاف ، وفرض لمَن كان إسلامه كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدراً أربعة آلاف أربعة آلاف ، وفرض لأزواج النبي (صلّى الله عليه وآله) اثني عشر ألفاً إلاّ صفية وجويرية ؛ فقد فرض لهما ستة آلاف فأبتا أن تقبلا بذلك.
وفرض للعباس عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اثني عشر ألفاً ، وفرض لاُسامة بن زيد أربعة آلاف ، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف ، فأنكر عليه ذلك وقال
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٨ / ١١١.