إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه» (١).
إنّ الإنسانية على ما جربت من تجارب وبلغت من رقي وإبداع في أنظمة الحكم والإدارة فإنها لم تستطع أن تنشأ مثل هذا النظام الذي يدعو الموظّف إلى الترفع ورفض كل دعوة توجّه إليه ؛ خوفاً من تركه للحقِّ ، واستجابته لدواعي الخيانة والغرور.
ولم يقرب الإمام أحداً من الانتهازيين الذين لا يخلصون للحقِّ ، وإنما يسعون وراء أطماعهم ومصالحهم ، ولا يفقهون المصالح العامة ؛ فإنهم عون للسلطة على الباطل لا على العدل. وكان المجتمع الكوفي يضم طائفة كبيرة منهم كالأشعث بن قيس ، وعمرو بن حريث ، وشبث بن ربعي ، وأمثالهم من الذي ضربت مصالحهم في عهد الإمام (عليه السّلام) ، فاتصلوا بحكومة دمشق ، وقاموا بدور العمالة لها ، فراحوا يعقدون المؤامرات لإفساد جيش الإمام وشعبه ؛ مستهدفين من ذلك الإطاحة بحكومته.
وقد كانوا ـ فيما يقول المؤرّخون ـ قادة الجيش الذي اقترف أبشع جريمة في التاريخ ، وهي قتل سيد الشهداء (عليه السّلام) ؛ فقد أيقنوا أنه إذا استتب له الأمر فإنه سيدمّر مصالحهم ، فإنّ سياسته إنما هي امتداد لسياسة أبيه التي لا ظل فيها للخونة والمجرمين.
ويرى الإمام (عليه السّلام) أنّ الإمارة وسيلة من وسائل الإصلاح الاجتماعي لا يجوز
__________________
(١) نهج البلاغة ـ محمد عبده ٣ / ٧٨.