أن تُمنح إلاّ للمتحرّجين في دينهم ، الذين لا يخضعون للرغبات والأهواء ، ويجب أن تستغل لتحقيق ما ينفع الناس ، فلا يجوز أن تُمنح إثرة أو محاباة. يقول (عليه السلام) في رسالته لقاضيه رفاعة بن شداد : «واعلم يا رفاعة ، أنّ هذه الإمارة أمانة ؛ فمَنْ جعلها خيانة فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة ، ومَنْ استعمل خائناً فإنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) بريء منه في الدنيا والآخرة» (١).
وكان (عليه السلام) إذا شعر من أحد أن له ميلاً أو هوى في الإمارة فلا يرشحه لها ؛ لأنه يتّخذ الحكم وسيلة لتحقيق مآربه وأطماعه. ولمّا أعلن طلحه والزبير عن رغبتهما الملحّة في الولاية امتنع عن إجابتهما ، واستدعى عبد الله بن عباس فقال له : «بلغك قول الرجلين؟» ـ يعني طلحة والزبير ـ.
ـ نعم ، أرى أنّهما أحبّا الولاية ؛ فولِّ البصرة الزبير ، وولِّ طلحة الكوفة.
فأنكر عليه الإمام رأيه ، وقال له : «ويحك! إنّ العراقَين ـ أي البصرة والكوفة ـ بهما الرجال والأموال ، ومتى تملّكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع ، ويضربا الضعيف بالبلاء ، ويقويا على القوي بالسلطان. ولو كنتُ مستعملاً أحداً لضرّه ونفعه لاستعملت معاوية على الشام ، ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي» (٢). من أجل هذه النقاط الحساسة امتنع أن يوليهما على العراقَين.
إنّ الإمارة وسائر المناصب في جهاز الدولة لا يجوز عند الإمام أن تمنح إلاّ
__________________
(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٥ / ٣٣.
(٢) الإمامة والسياسة ١ / ٥٢.