وأمر عثمان غلمانه فدفعوا عمّاراً ، وأرهقوه كما أمر بنفيه إلى الربذة ، فلمّا تهيّأ للخروج أقبلت بنو مخزوم إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فسألوه أن يذاكر عثمان في شأنه ، فانطلق نحوه الإمام (عليه السّلام) وقال له : «اتّق الله ، فإنك سيّرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك ، ثمّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره!».
فثار عثمان وصاح بالإمام : أنت أحقّ بالنفي منه.
ـ «رم إن شئت ذلك».
واجتمع المهاجرون فعذلوه ولاموه على ذلك ، فاستجاب لهم وعفا عن عمّار (١).
إنّ عثمان لم يرعَ مكانة عمّار من النبي (صلّى الله عليه وآله) وسابقته للإسلام ، فاعتدى عليه وبالغ في تنكيله ؛ لأنه أمره بالعدل ، ودعاه إلى الحقِّ.
وأبو ذر صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وخليله ، وهو أقدم أصحابه الذين سبقوا للإسلام ، وكان أزهد الناس في الدنيا ، وأقلّهم احتفالاً بمنافعها ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأتمنه حين لا يأتمن أحداً من أصحابه ، ويسرّ إليه حين لا يسرّ إلى أحد (٢) ، وهو أحد الثلاثة الذين أحبّهم الله وأمر نبيّه بحبّهم ، كما أنه أحد الثلاثة (٣) الذين تشتاق لهم الجنة (٤).
ولمّا حدثت الفتن أيّام عثمان واستأثر بنو اُميّة بمنافع الدولة وخيرات
__________________
(١) الأنساب ٥ / ٥٤ ، اليعقوبي ٢ / ١٥٠.
(٢) كنز العمال ٨ / ١٥.
(٣) الثلاثة الذين تشتاق لهم الجنّة : الإمام علي (عليه السّلام) ، وأبو ذر ، وعمّار.
(٤) مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٠.