وقد بذل جميع جهوده على إشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين ، وكان دوماًُ يذيع بين أصحابه قوله : «سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء فإني أبصر بها من طرق الأرض».
ومن المؤسف والمحزن حقاً أنهم لم يستغلّوا وجود هذا العملاق العظيم فيسألوا منه عن حقيقة الفضاء والمجرّات التي تسبح فيه ، وغيرها من أسرار الطبيعة التي استمد معارفها من الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ، لم يسألوا عن أي شيء من ذلك ، وإنما راحوا يهزؤون ، وقد قال بعضهم بسخرية : كم طاقة في رأسي من شعر؟
لقد عاش الإمام غريباً في وسط ذلك المحيط الجاهل الذي لم يعِ أي شيء من أهدافه ومثله ، ولم يعرف حق قيمته ، ولم يثمن عبقرياته ومواهبه.
وعلى أي حال ، فإن الإمام أقام حكومته على تطوير الحياة الفكرية والعلمية ، وبث المعارف والآداب بين جميع الأوساط.
واحتاط الإمام أشدّ ما يكون الاحتياط في الولاة والعمّال ، فلم يستعمل أحداً على قطر من الأقطار الإسلاميّة أو يعهد إليه بعمل إلاّ بعد إحراز الثقة بدينه والكفاءة بقدراته الإدارية ، ولم يستعمل أحداً محاباة أو إثرة وإنما استعمل خيار المسلمين وصلحاءهم ؛ أمثال مالك الأشتر ، ومحمد بن أبي بكر ، وسهل بن حنيف ، وحبر الاُمّة عبد الله بن عباس ، ونظرائهم من الذين توّفرت فيهم الخبرة التامة في شؤون الحكم والإدارة ، وقد زوّدهم برسائل مهمّة عرض فيها لشؤون الحكم وسياسة الدولة ، كما حددت من صلاحياتهم ومسؤولياتهم.
وكان من أروع تلك الوثائق السياسية عهده لمالك الأشتر ،