الفرسان يميناً وشمالاً ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنّا فاعلين لا اُمّ لك؟! (١).
ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :
فلو وقفتْ صُمّ الجبالِ مكانهمْ |
|
لمادتْ على سهلٍ ودكّت على وعرِ |
فمِن قائمٍ يستعرض النبلُ وجههُ |
|
ومن مقدمٍ يرمي الأسنّة بالصدرِ |
وما أروع قول السّيد حيدر :
دكّوا رباها ثمّ قالوا لها |
|
وقد جثوا نحنُ مكان الرّبا |
لقد تحدّى أبو الأحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية ، فسخِر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لأصحابه حينما مطرت عليه سهام الأعداء : «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه ؛ فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم».
لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنّما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقّاً ؛ لأنّه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربّه الذي هو مبدؤه (٢).
من صفات أبي الأحرار الصراحة في القول والصراحة في السلوك ، ففي جميع فترات حياته لم يوارب ولم يخادع ، ولم يسلك طريقاً فيه أيّ
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٦٣.
(٢) الإمام الحسين / ١٠١.