في هذه البحوث المؤلمة ، إلاّ أنّ دراسة حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) دراسة منهجية سليمة وشاملة تتوقف على دراسة هذه الأحداث التي لعبت دورها الخطير في مسرح السياسة الإسلامية ، فقد أخذت تجري كلّها في فصل واحد مترابط ، وأعقبت أشدّ المحن والخطوب.
وطافت موجات قاسية من الهموم والأحزان ببضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) ووديعته ، فقد احتلّ الأسى قلبها الرقيق المعذّب ، وغشيتها سحب قاتمة من الكدر واللوعة على فقد أبيها الذي كان أعزّ عندها من الحياة ، فكانت تزور جدثه الطاهر فتطوف حوله ، وهي حيرى ذاهلة الّلب ، منهدّة الكيان فتلقي بنفسها عليه ، وتأخذ حفنة من ترابه الطاهر فتضعه على عينيها ووجهها وتطيل من شمّه وتقبيله ، فتجد في نفسها راحة ، وهي تبكي أمرّ البكاء وأشجاه ، وتقول بصوت حزين النبرات :
ماذا على مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ |
|
أنْ لا يشمَّ مدى الزمانِ غواليا |
صُبّت عليّ مصائبٌ لو أنّها |
|
صُبّت على الأيام صُرن لياليا |
قل للمُغيّب تحت أطباق الثرى |
|
إن كنت تسمعُ صرختي وندائيا |
قد كنتُ ذات حمىً بظلِّ محمدٍ |
|
لا أختشي ضيماً وكان جماليا |
فاليومَ أخضعُ للذليل وأتّقي |
|
ضيمي وأدفعُ ظالمي بردائيا |
فإذا بكت قُمريّةٌ في ليلها |
|
شجناً على غصنٍ بكيتُ صباحيا |
فلأجعلنَّ الحُزن بعدك مُؤنسي |
|
ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا (١) |
وتصوّر هذه الأبيات أروع تصوير وأصدقه للوعة الزهراء وشجونها
__________________
(١) المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ١٣١.