وتفاعلت روحه مع روحه حتّى صار صورة فذّة عنه تحكي واقعه وهديه.
لقد أفاض الإمام جميع ذاتياته في نفس ولده الحسين ، ومنحه حبّه وإخلاصه ، وزوّده بأروع حكمه وآدابه ، وقد بلغ من عظيم حبّه أنّه لم يسمح له بالدخول في علميات الحروب أيام صفين كما لم يسمح لأخيه الحسن بذلك ؛ لئلا ينقطع بموتهما نسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد انطبعت مثل الإمام وسائر اتجاهاته الفكرية في نفس الحسين فكان كأبيه في ثورته على الظلم والباطل ، ومناهضته للبغي والجور وتفانيه في سبيل الحق والعدل ، وتبنّيه لجميع وسائل الإصلاح والخير.
لقد كان كأبيه في بسالته وصموده ، وعزة نفسه وإبائه وشممه ، وقد اعترف بهذه الظاهرة أعداؤه يوم الطفِّ ؛ فإنهم لما عرضوا عليه الاستسلام لابن مرجانة والخضوع لإرادته ، قال بعضهم : إنّه لا يستجيب لكم ؛ فإنّ نفس أبيه بين جنبيه.
لقد كانت نفس أبيه عملاق هذه الاُمّة ورائدها الأعلى إلى العزّة والكرامة ماثلة بجميع مظاهرها ومقوماتها في نفس الإمام الحسين حتّى كأنه لم يعد هناك تعدد في الوجود بين الأب وولده ، فكانا معاً من ألمع مَنْ تعتز بهما الإنسانية في جميع الأجيال.
وأشاع الإمام بين الناس مقتل ولده الحسين ، كما أشاع ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أدلى الإمام بذلك في كثير من المناسبات ، وهذه بعضها :
١ ـ روى عبد الله بن يحيى (١) عن أبيه أنّه سافر مع علي إلى
__________________
(١) وفي الطبري روى عبد الله بن نجي.