ولا طمع له بالشبع ؛ لذلك ضيّق على نفسه ، وحرّم عليها جميع متع الحياة وحملها على الجهد والحرمان ، واتجه فكره النيّر وضميره الحي إلى إسعاد الناس ، ونشر الدعة والرفاهية فيهم ... وفيما يلي عرضاً موجزا لسياسته.
أمّا السياسة المالية التي انتهجها الإمام (عليه السّلام) فإنما هي امتداد لسياسة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ، الذي عنى بتطوير الحياة الاقتصادية ، وإنعاش الحياة العامة في جميع أنحاء البلاد ، بحيث لا يبقى فقير أو بائس أو محتاج ، وذلك بتوزيع ثروات الاُمّة توزيعاً عادلاً على جميع القطعات الشعبية.
أمّا مظاهر تلك السياسة الاقتصادية الخلاّقة فهي :
١ ـ المساواة في التوزيع والعطاء ، فليس لأحد على أحد فضل أو امتياز ، وإنما الجميع على حدّ سواء ، فلا فضل للمهاجرين على الأنصار ولا لاُسرة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأزواجه على غيرهم ، ولا للعربي على غيره ، وقد طبّق الإمام (عليه السّلام) هذه الجهة بصورة دقيقة وشاملة فكان ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ قد ساوى بين المسلمين في العطاء ، ولم يميّز قوماً على آخرين ؛ فقد وفدت إليه سيّدة قرشية من الحجاز طالبة منه الزيادة في عطائها ، وقد التقت قبل أن تصل إليه بعجوز فارسية كانت مقيمة في الكوفة فسألتها عن عطائها فإذا به يساوي ما خصص لها ، فأمسكت بها وجاءت بها إليه ، وقد رفعت عقيرتها قائلة : هل من العدل أن تساوي بيني وبين هذه الأمة الفارسيّة؟!
فرمقها الإمام (عليه السّلام) بطرفه ، وتناول قبضة من التراب وجعل ينظر إليه ويقلّبه بيده وهو يقول :