«لم يكن بعض هذا الترب أفضل من بعض». وتلا قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم ، فأعلنوا سخطهم على الإمام ، وقد خفّت إليه جموع من أصحابه تطالبه بالعدول عن سياسته ، فأجابهم الإمام : «أَ تَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ؟ وَاللَّهِ لا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً. لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّهِ؟! أَلا وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللَّهِ» (١).
لقد كان الإمام يهدف في سياسته المالية إلى إيجاد مجتمع لا تطغى فيه الرأسمالية ، ولا تحدث فيه الأزمات الاقتصادية ، ولا يواجه المجتمع أيّ حرمان أو ضيق في حياته المعاشية.
لقد أدّت هذه السياسة المشرقة ، المستمدّة من واقع الإسلام وهديه ، إلى إجماع القوى الباغية على الإسلام أن تعمل جاهدة على إشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد ، مستهدفة بذلك الإطاحة بحكومة الإمام.
ويرى المدائني : إنّ من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تخاذل العرب عن الإمام اتّباعه لمبدأ المساواة ، حيث كان لا يفضل شريفاً على مشروف في العطاء ، ولا عربياً على عجمي (٢). لقد ورمت آناف اُولئك الطغاة من سياسة الإمام (عليه السّلام) التي
__________________
(١) نهج البلاغة ـ محمد عبده ٢٥ / ١٠.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ١ / ١٨٠.