للذوات الزكية التي تعمل لصالح الاُمّة ولا تتخذ الحكم مغنماً وسلماً للثراء وسائر المنافع الشخصية.
والشيء البارز في سياسة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو التزام الصراحة والصدق في جميع شؤونه السياسية فلم يوارب ولم يخادع ، وإنما سلك الطريق الواضح الذي لا التواء فيه وسار على منهاج ابن عمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولزم سمته وهديه ، ومضى على طريقته وواكب جميع خطواته.
ولو أنه التزم بالأعراف السياسية التي تبيح وسائل الغدر والنفاق في سبيل الوصول إلى الحكم لما آلت الخلافة إلى عثمان ، فقد ألحّ عليه عبد الرحمان بن عوف أن يبايعه شريطة أن يسير على سيرة الشيخين فامتنع من إجابته وصارحه أنه يسوس الاُمّة على ضوء كتاب الله الذي وعاه ، وعلى ضوء سنة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وليس غيرهما رصيد يعتمد عليه في عالم التشريع والسياسة في الإسلام. ويقول (عليه السلام) : «لولا أن المكر والخداع في المنار لكنت أمكر الناس».
لقد أبى ضميره الحي المترع بتقوى الله وطاعته أن يخادع أو يمكر في سبيل الوصول إلى الحكم الذي كان من أزهد الناس فيه ، وكان كثيراً ما تنفّس الصعداء من الآلام المرهقة التي كان يعانيها من خصومه ، وهو يقول : «وا ويلاه! يمكرون بي ويعلمون أني بمكرهم عالم ، وأعرف منهم بوجوه المكر ، ولكني أعلم أنّ المكر والخديعة في النار ، فأصبر على مكرهم ولا أرتكب مثل ما ارتكبوا» (١).
__________________
(١) جامع السعادات ١ / ٢٠٢.