«هذا علي مع القرآن ، والقرآن مع علي لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض» (١).
وقد قرّر (صلّى الله عليه وآله) بذلك أهمّ القضايا المصيرية لاُمّته ، وعيّن لها القائد العظيم الذي تنال به جميع أهدافها وآمالها.
وحينما ألم المرض بالنبي (صلّى الله عليه وآله) أيقن بمفارقته لهذه الحياة ، وحدّثته نفسه أن يذهب ليودّع مقابر المسلمين ويستغفر لهم ، فاستدعى أبا مويهبة في غلس الليل البهيم ، فلمّا مثل عنده أمره أن يمضي معه إلى البقيع قائلاً له : «لقد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع ؛ فلذا بعثت إليك للانطلاق معي».
وسار النبي (صلّى الله عليه وآله) حتّى انتهى إلى بقيع الغرقد ، فسلّم على الأموات وقال لهم : «السّلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ؛ أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاُولى».
لقد استشفّ (صلّى الله عليه وآله) من وراء الغيب ما تُمنى به اُمّته من الانقلاب على الأعقاب ، وما تصاب به من الانحراف بدينها وعقيدتها ، وأنها ستواجه أمواجاً رهيبة من الفتن والضلال تعصف بها إلى مجاهل سحيقة من هذه الحياة ، والتفت (صلّى الله عليه وآله) إلى أبي مويهبة قائلاً له : «يا أبا مويهبة ، إنّي قد اُوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثمّ الجنّة ، فخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنّة».
__________________
(١) الصواعق المحرقة.