الموقف بلاءً ومحنة ؛ فإنّه بعد ما فَقَد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده ـ فيما يقول الرواة ـ ثلاثين ألفاً ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم ، فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى إذا شدّ عليها الذئب ـ على حدّ تعبير الرواة ـ ، وبقي صامداً كالجبل يتلقّى الطعنات من كل جانب ، ولم يوهَ له ركن ، وإنّما مضى في أمره استبسالاً واستخفافاً بالمنيّة.
يقول السّيد حيدر :
فتلقّى الجموعَ فرداً ولكنْ |
|
كلّ عضوٍ في الروع منه جموعُ |
رمحهُ من بَنانهِ وكأنّ من |
|
عزمهِ حدُّ سيفِهِ مطبوعُ |
زوّج السّيفَ بالنفوسِ ولكنْ |
|
مهرها الموتُ والخضابُ النجيعُ |
ويقول في رائعة اُخرى :
ركينٌ وللأرض تحت الكماة |
|
رجيفٌ يزلزل ثهلانَها |
أقرّ على الأرض من ظهرها |
|
إذا ململ الرعبُ أقرانَها |
تزيد الطلاقةُ في وجههِ |
|
إذا غيّر الخوفُ ألوانَها |
ولمّا سقط أبي الضيم على الأرض جريحاً ـ وقد أعياه نزف الدماء ـ تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه ؛ رعباً وخوفاً منه. يقول السّيد حيدر :
عفيراً متى عاينتهُ الكماة |
|
يختطفُ الرعبُ ألوانَها |
فما أجلت الحربُ عن مثلهِ |
|
صريعاً يُجبّن شجعانَها |
وتغذّى أهل بيته وأصحابه بهذه الروح العظيمة ، فتسابقوا إلى الموت بشوق وإخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوّهم بالبسالة ورباطة الجأش ، فقد قيل لرجل شهد يوم الطفِّ مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرّية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فاندفع قائلاً :
عضضت بالجندل ، إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ؛ ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية ، تحطم