أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول : كأنّ أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلاّ في الحسين :
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ |
|
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ |
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ |
|
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ |
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ |
|
وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ |
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمراً فَما بدا |
|
لَها اللَيلُ إِلاّ وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ (١) |
لقد علّم أبو الأحرار الناس نبل الإباء ونبل التضحية ، يقول فيه مصعب ابن الزبير : واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة (٢) ، ثمّ تمثّل :
وإن الاُلى بالطفِّ من آل هاشم |
|
تآسوا فسنّوا للكرام التآسيا |
وقد كات كلماته يوم الطفِّ من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزّة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول : «ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، واُنوف حميّة ، ونفوس أبّية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».
ووقف يوم الطفِّ كالجبل الأشم ، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردّة الاُمويّة ، وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزّة النفس وشرف الإباء قائلاً :
«والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد ، إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ».
وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٣٠٢.
(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٧٣.