من الكرامة التي التي لا حدّ لأبعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد.
وتسابق شعراء أهل البيت (عليهم السّلام) إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة ، فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دوّنته مصادر الأدب العربي ، وقد عنى السّيد حيدر الحلّي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جدّه الحسين ، يقول :
طمعتْ أن تسومَهُ القومُ ضيماً |
|
وأبى الله والحسامُ الصنيعُ |
كيف يلوي على الدنيةِ جيداً |
|
لسوى اللهِ ما لواه الخضوعُ |
ولديه جأشٌ أردُّ من الدرع |
|
لضمأى القنا وهنَّ شُروعُ |
وبه يرجعُ الحفاظُ لصدرٍ |
|
ضاقت الأرضُ وهي فيه تضيعُ |
فأبى أن يَعيشَ إلاَّ عزيزاً |
|
أو تجلَّى الكفاحُ وهو صريعُ (١) |
ولم تصوّر منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاُمويّة من إرغام الإمام الحسين (عليه السّلام) على الذل والهوان ، وإخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك ، وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عزّ النبوة أن يقرّ على الضيم ؛ فإنّه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعاً لأيّ أحد إلاّ لله ، فكيف يخضع لأقزام بني اُميّة؟! وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله :
وبه يرجعُ الحفاظُ لصدرٍ |
|
ضاقت الأرضُ وهي فيه تضيعُ |
وهل هناك أبلغ أو أدقّ وصفاً لإباء الإمام الحسين (عليه السّلام) وعزّته من هذا الوصف؟ فقد أرجع جميع طاقات الحفّاظ والذمام لصدر الإمام (عليه السّلام) التي ضاقت الأرض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل إنّها على سعتها تضيع فيه
__________________
(١) ديوان السّيد حيدر / ٨٧.