فلمّا قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء ، فاستقبلهما المسلمون ، وقد ظنّوا أنهما تذكّرا جدّهما فقالوا : ما يبكيكما يا بنَي رسول الله؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما فبكيتما شوقاً إليه؟
ـ «أوَ ليس قد ماتت اُمّنا فاطمة؟».
واضطرب الإمام أمير المؤمنين وهزّ النبأ المؤلم كيانه ، وطفق يقول : «بمَن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزّى ففيم العزاء من بعدك؟». وخفّ مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ، ولمّا ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله أخذ ينشد :
لكلِّ اجتماعٍ من خليلينِ فرقةٌ |
|
وكلّ الذي دون الفراقِ قليلُ |
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ |
|
دليلٌ على أن لا يدوم خليلُ |
وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيّهم ، فقد انطوت بموتها آخر صفحة من صفحات النبوة ، وتذكّروا بموتها عطف الرسول وحدبه عليهم ، وقد ارتجّت يثرب من الصراخ والعويل.
وعهد الإمام إلى سلمان الفارسي أن يعرّف الناس أنّ مواراة بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) تأخر هذه العشيّة ، وتفرّقت الجماهير ، وأقبلت عائشة وهي تريد الدخول إلى بيت الإمام لتلقي نظرة الوداع على جثمان بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، فحجبتها أسماء وقالت لها : لقد عهدتْ إليّ أن لا يدخل عليها أحد (١).
ولمّا مضى من الليل شطره قام الإمام فغسّل الجسد الطاهر ، ومعه
__________________
(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣ / ٣٦٥.