إذا عرفت ذلك : فاعلم أنّ نسبة ما اشتهر إلى ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به ، ترجع إلى الشيخ كما عرفت.
ولا تقصر شهادةُ الشيخ على التسوية ، عن شهادة الكشي على إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعة ، فلو كانت الشهادة الثانية مأخوذاً بها ، فالأُولى مثلها في الحجّية ، وليس التزام هؤلاء بالنقل عن الثقات أمراً غريباً ، إذ لهم نظراء بين الأصحاب ، أمثال : أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، ومحمد بن بشير البجلي ، ومحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني ، وعلي بن الحسن الطاطري ، والرجالي المعروف النجاشي ، الذين اشتهروا بعدم النقل إلاّ عن الثقة ، وقد عرفت أحوالهم كما وقفت على أنظارنا فيهم.
وأمّا اطّلاع الشيخ على هذه التسوية فلأنّه كان بصيراً بأحوال الرواة وحالات المشايخ ، ويعرب عن ذلك ما ذكره في « العدّة » عند البحث عن حجّية خبر الواحد ، حيث قال :
إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثّقت الثقات منهم ، وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا بين من يُعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يُعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذمّوا المذموم ، وقالوا فلان متّهم في حديثه ، وفلان كذّاب ، وفلان مخلِّط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفيّ ، وفلان فطحيّ ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها. (١)
وهذه العبارة ونظائرها ، تعرب عن تبحّر الشيخ في معرفة الرواة وسعة اطّلاعه في ذلك المضمار ، فلا غرو في أن يتفرّد بمثل هذه التسوية ، وإن لم ينقلها أحد من معاصريه ولا المتأخّرون عنه إلى القرن السابع إلاّ النجاشي ، فقد صرّح بما
__________________
١. عدّة الأُصول : ١ / ٣٦٦.