إنّ مثل هذا التعبير يفيد تأكيد المراد ، ولهذا فقد ذكر هذا الموضوع بنفسه في الآية (٦) من سورة المنافقين ، وقد نفي نفيا مطلقا ، حيث تقول الآية : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
والدليل الآخر على هذا الكلام ، العلة التي ذكرت في آخر الآية ، وهي : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) وهي توضح أنّ الاستغفار لأمثال هؤلاء مهما كثر وعظم فإنّه سوف لا ينجيهم ، ولا يمكن أن يكون سببا في خلاصهم ممّا ينتظرهم.
العجيب في الأمر أنّ عدّة روايات نقلت من مصادر أهل السنة ، ورد فيها أن النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قال بعد أن نزلت هذه الآية : «لأزيدن في الاستغفار لهم على سبعين مرّة»!
رجاء منه أن يغفر الله لهم ، فنزلت : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (١).
وهذه الرّوايات تعني أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد فهم من هذه الآية أنّ المراد من السبعين هو العدد بالذات ، ولهذا قال : «لأزيدن في الاستغفار لهم على سبعين مرّة» في الوقت الذي تريد الآية ـ كما قلنا ـ أن تقول لنا : إن العدد المذكور ذكر على وجه الكثرة والمبالغة ، وكناية عن النفي المطلق المقترن بالتأكيد ، خصوصا مع ملاحظة العلة التي ذكرت في ذيل الآية التي توضح ما ذكرناه.
وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الرّوايات لا يمكن قبولها لأنّها تخالف القرآن ، خاصّة وأن أسانيدها غير معتبرة عندنا.
التوجيه الوحيد الممكن لهذه الرّوايات ـ بالرغم من أنّه خلاف الظاهر ـ هو أن النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول ذلك قبل نزول الآيات المذكورة ، ولما نزلت هذه الآيات كف النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عن الاستغفار لهؤلاء.
ونقلت رواية أخرى في هذا الموضوع ، قد تكون هي الأصل للرّوايات
__________________
(١) لقد وردت روايات كثيرة بهذا المضمون ذكرت في تفسير الطبري ، ج ١٠ ، ص ١٣٨.