المنفقين في سبيل الله : (وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ).
هنا يؤيّد الله تعالى ويصدّق هذا النوع من التفكير ، ويؤكّد على أنّ هذا الإنفاق يقرب هؤلاء من الله قطعا : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) ولهذا (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) وإذا ما صدرت من هؤلاء هفوات وعثرات ، فإنّ الله سيغفرها لهم لإيمانهم وأعمالهم الحسنة ، ف (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
إنّ التأكيدات المتوالية والمكررة التي تلاحظ في هذه الآية تجلب الانتباه حقّا ، فإنّ (ألا) و (إن) يدل كلاهما على التأكيد ، ثمّ جملة (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) خصوصا مع ملاحظة (في) التي تعني الدخول والغوص في الرحمة الإلهية ، وبعد ذلك الجملة الأخيرة التي تبدأ ب (إنّ) وتذكر صفتين من صفات الرحمة وهما (غَفُورٌ رَحِيمٌ) كل هذه التأكيدات تبيّن منتهى اللطف والرحمة الإلهية بهذه الفئة.
وربّما كان هذا الاهتمام بهؤلاء لأنّهم رغم حرمانهم من التعليم والتربية ، وعدم الفهم الكافي لآيات الله وأحاديث النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّهم قبلوا الإسلام وآمنوا به بكل وجودهم ، ورغم قلّة إمكانياتهم المالية ـ التي يحتمها وضع البادية ـ فإنّهم لم يمتنعوا عن البذل والإنفاق في سبيل الله ، ولذلك استحقوا كل تقدير واحترام ، وأكثر ممّا يستحقه سكان المدينة المتمكنون.
ويجب الالتفات إلى أنّ القرآن قد استعمل (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) في حق الأعراب المنافقين ، التي تدل على إحاطة التعاسة وسوء العاقبة بهم ، أمّا في حق المؤمنين فقد ذكرت عبارة (فِي رَحْمَتِهِ) لتبيّن إحاطة الرحمة الإلهية بهؤلاء ، فقسم تحيط به الرحمة الإلهية ، والآخر تحيط به الدوائر والمصائب.
* * *