الآيات السابقة أمرت الجميع بالتوجه إلى ساحات الجهاد ، ووبخت المتخلفين بشدة ، أمّا هذه الآية فتقول. أنّه لا ينبغي للجميع ان يتوجهوا إلى ميدان الحرب.
ولكن من الواضح أنّ هذين الأمرين قد صدرا في ظروف مختلفة ، فمثلا في غزوة تبوك لم يكن هناك بد من توجه كل المسلمين إلى الجهاد لمواجهة الجيش القوي الذي أعدته إمبراطورية الروم لمحاربة الإسلام والقضاء عليه. أمّا في حالة مقابلة جيوش ومجاميع أصغر وأقل فليست هناك ضرورة لتوجه الجميع إلى الحرب ، خاصّة في الحالات التي يبقى فيها النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بنفسه ، فإنّه يجب عليهم أن لا يخلوا المدينة مع احتمالات الخطر المتوقعة ، وأن لا يغفلوا عن التفرغ لتعلم المعارف والأحكام الإسلامية.
وعلى هذا فلا يوجد أي نوع من التنافي بين هذه الآيات ، وما تصوره البعض من التنافي هو اشتباه محض.
٣ ـ لا شك أنّ المقصود من التفقه في الدين هو تحصيل جميع المعارف والأحكام الإسلامية ، وهي أعم من الأصول والفروع ، لأنّ كل هذه الأمور قد جمعت في مفهوم التفقه ، وعلى هذا ، فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب توجه فئة من المسلمين وجوبا كفائيا على الدوام لتحصيل العلوم في مختلف المجالات الإسلامية ، وبعد الفراغ من التحصيل العلمي يرجعون إلى مختلف البلدان ، وخصوصا بلدانهم وأقوامهم ، ويعلمونهم مختلف المسائل الإسلامية.
وبناء على ذلك ، فإنّ الآية دليل واضح على وجوب تعلم وتعليم المسائل الإسلامية ، وبتعبير آخر فإنّها أوجبت التعلم والتعليم معا ، وإذا كانت الدنيا في يومنا الحاضر تفتخر بسنّها التعليم الإجباري ، فإنّ القرآن قد فرض قبل أربعة عشر قرنا هذا الواجب على المعلمين علاوة على المتعلمين.
٤ ـ استدل جماعة من علماء الإسلام بهذه الآية على مسألة جواز التقليد ، لأنّ التقليد إنّما هو تعلم العلوم الإسلامية وإيصالها للآخرين في مسائل فروع الدين ،