حين أنّ المشركين كانوا قد جعلوا الأصنام شريكة لله ، لا شريكة أنفسهم.
إنّ هذا التعبير في الحقيقة إشارة لطيفة إلى أن الأصنام لم تكن شريكة لله ، وأن أوهام وتخيلات عبدة الأوثان هي التي أعطتها هذا المقام ، وهذا يشبه تماما ما لو عيّن المشرف على التعليم معلما أو مديرا غير صالح لمدرسة ما ، صدرت ومنهما أعمال قبيحة وغير لائقة. فتقول للمشرف : تعال وانظر ، هذا معلمك وهذا مديرك يرتكبان مثل هذه الأعمال ، في حين أنّه ليس معلمه ولا مديره ، بل معلم المدرسة ومديرها الذي اختارهما.
ثمّ تضيف : أنّنا سوف نعزل هاتين الفئتين ـ أي العابدون والمعبودون ـ عن بعضهم البعض ، ونسأل كلا منهما على انفراد ، تماما كما هو المتداول في كل المحاكم حيث يسأل كل واحد على انفراد ، فنسأل العابدين : بأي دليل جعلتم هذه الأصنام شريكة لله وعبدتموها؟ ونسأل المعبودين : لماذا أصبحتم معبودين؟ أو لماذا رضيتم بهذا العمل؟ (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) (١).
في هذه الأثناء ينطق الشركاء الذين صنعتهم أوهام هؤلاء : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) فأنتم في الواقع كنتم تعبدون أهواءكم وميولكم وأوهامكم ، لا أنّكم كنتم تعبدوننا ، ولو سلمّنا ذلك فإنّ عبادتكم لنا لم تكن بأمرنا ولا برضانا ، والعبادة كهذه ليست بعبادة في الحقيقة.
ثمّ ، ومن أجل التأكيد الأشد ، يقولون : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (٢).
هناك بحث بين المفسّرين في المراد من الأصنام والشركاء ، أي معبودات هي؟ وكيف أنّها تتكلم بهذا الكلام؟
__________________
(١) «زيلنا» من مادة التزييل ، بمعنى التفريق ، قال بعض أرباب اللغة : إن مادتها الثلاثية ، زال يزيل ، بمعنى الفرقة ، لا أنّها من مادة : زال يزول بمعنى الزوال.
(٢) (إن) في الجملة أعلاه مخففة من الثقيلة ، وهي للتأكيد ومعنى الجملة هو : إنّنا كنّا عن عبادتكم لغافلين.