أنّهم طلبوا من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأتي بغير هذا القرآن ، أو يغيره على الأقل ، وهذا بنفسه دليل على أنّهم كانوا يظنون أن القرآن من تأليف النّبي!
فالآية الأولى تقول : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) واللطيف هنا أنّها بدل أن تنفي هذا الأمر نفيا بسيطا ، نفته نفيا شأنيا ، وهذا يشبه تماما أن يقول شخص ما في مقام الدفاع عن نفسه : ليس من شأني الكذب ، وهذا التعبير اعمق وأكثر معنى من أن يقول : إنّي لا أكذب.
ثمّ تتطرق الآية إلى ذكر الدليل على أصالة القرآن وكونه وحيا سماويا : فتقول (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي إنّ كل البشارات والدلالات الحقّة التي جاءت في الكتب السماوية السابقة تنطبق على القرآن ومن جاء به تماما ، وهذا بنفسه يثبت أنّه ليس افتراء على الله بل هو حق ، وأساسا فإنّ القرآن شاهد على صدق محتواه من باب أنّ طلوع الشمس دليل على الشمس.
ومن هنا يتّضح زيف الذين استدلوا بمثل هذه الآيات على عدم تحريف التّوراة والإنجيل ، لأنّ القرآن الكريم لم يصدق ما كان موجودا في هذه الكتب في عصر النزول ، بل إنّه أيّد العلامات الواردة في هذه الكتب حول النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن. وقد بيّنّا توضيحات أكثر في هذا الباب في المجلد الأوّل من هذا التّفسير في ذيل الآية (٤١) من سورة البقرة.
ثمّ تذكر الآية دليلا آخر على أصالة هذا الوحي السماوي وهو : إنّ في هذا القرآن شرح كتب الأنبياء السابقين الأصيلة ، وبيان أحكامهم الأساسية وعقائدهم الأصولية ، ولهذا فلا شك في كونه من الله تعالى ، فتقول : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) وبتعبير آخر : لا يوجد فيه أي تضاد وتناقض مع برامج وأهداف الأنبياء السابقين ، بل يلاحظ فيه تكامل تلك التعليمات والبرامج ، وإذا كان هذا القرآن مختلقا فلا بدّ أن يخالفها ويناقضها.
ومن هنا نعلم أنّه لا يوجد أي اختلاف بين الكتب السماوية في أصول