هادئا والعبارات طويلة.
إنّ المسائل التي طرحت في مكّة هي من النوع الأوّل ، بينما المسائل التي طرحت في المدينة من النوع الثّاني ، فما نزل في مكّة كان بداية ثورة وبيان للمبادئ العامّة ، الاعتقادية والانتقادية ، والذي نزل في المدينة كان لبناء مجتمع وبيان مسائل حقوقية وأخلاقية وقصص تاريخية واستخلاص النتائج الفكرية والعلمية.
وبما أنّ القرآن نزل بلغة البشر فلا بدّ من أن يتبع السبك الجميل والبليغ في كلام البشر ، وفي النتيجة مراعاة قصر وطول الآيات بما يناسب المفاهيم ، وبالتالي يجب أن لا يكون القصر والطول اعتباطيا وعشوائيا ، بل يبدأ حسب قاعدة علمية دقيقة من الآيات القصيرة ، ويسير على وتيرة تصاعدية واحدة نحو الآيات الطويلة ، وعلى هذا الأساس يجب أن تكون كل آية أقصر من الآية التي نزلت بعد سنة ، وأطول من الآية التي نزلت قبلها بسنة ، وأن يكون مقدار الزيادة محسوبا ودقيقا ، وعلى هذا فلمّا كان الوحي قد نزل خلال ٢٣ سنة ، فيجب أن يكون لدينا ٢٣ طولا في الآيات كمعدل ، وبناء على هذه القاعدة يمكن أن يكون لدينا ٢٣ عمودا بحيث تقسم كل الآيات حسب الطول في هذه الأعمدة ، والآن من أين نستطيع أن نعلم أن هذا التقسيم صحيح؟
نحن نعلم سبب نزول بعض الآيات بواسطة الرّوايات الشريفة التي ذكرت ـ بصراحة ـ في أية سنة نزلت هذه الآيات ، والبعض الآخر يمكن تعيينه من خلال مفاهيمه ، فمثلا : الآيات التي تبيّن بعض الأحكام كتغيير القبلة ، وتحريم الخمر ، وتشريع الحجاب والزكاة والخمس ، أو الآيات التي تتحدث عن الهجرة ، فإنّ سنّي تعيين هذه الأحكام معلومة.
وبتعجب مثير للدهشة نرى أن هذه الآيات التي يعلم عام نزولها ، قد اجتمعت في نفس الأعمدة التي فرضت أنّها أخذت حسب الطول في هذا الجدول. «فتدبر