والنقطة الأخرى التي تلاحظ في الآية أنّ جملة : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) قد بدأت بفاء التفريع ، ومن الممكن أن يكون ذلك إشارة إلى أن إيمان فرعون الباهت في هذه اللحظة اليائسة وفي ساعة الاحتضار كان كالجسد بدون روح ولذلك أثر بالمقدار الذي أنجى الله جسد فرعون من الماء بعد أن فارقته الروح ، حتى لا يكون طعمة للأسماك وليكون عبره للأجيال القادمة!
ويوجد الآن في متاحف مصر وبريطانيا جثة أو جثتين من جثث الفراعنة التي بقيت محنّطة بالمومياء ، فهل أنّ بدن فرعون المعاصر لموسى من بينها حيث حفظوه فيما بعد بالمومياء ، أم لا؟
لا يمكننا اثبات ذلك ، إلّا أنّ تعبير (لِمَنْ خَلْفَكَ) يقوي هذا الاحتمال في أن بدن ذلك الفرعون من بين هذه الأبدان ، ليكون عبرة لكل الأجيال القادمة ، لأنّ تعبير الآية مطلق ويشمل كل الأجيال في المستقبل (فتدبر جيدا).
ويقول في نهاية الآية : إنّه وبالرغم من كل هذه الآيات والدلالات على قدرة الله ، ومع كل الدروس والعبر التي ملأت تاريخ البشر فإنّ الكثير معرضون عنها (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ).
وتبيّن آخر آية من هذه الآيات النصر النهائي لبني إسرائيل ، والرجوع إلى الأرض المقدسة بعد الخلاص من قبضة الفراعنة ، فتقول : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ).
إنّ التعبير ب (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الله سبحانه قد وفى بما وعد به بني إسرائيل وأرجعهم إلى الوطن الموعود ، أو أنّ (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) إشارة إلى طهارة وقدسية هذه الأرض ، وبذلك تناسب أرض الشام وفلسطين التي كانت محط الأنبياء والرسل.
وقد احتمل جماعة أن يكون المراد أرض مصر ، كما يقول القرآن في سورة الدخان / الآية (٢٥) ـ (٢٨) : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ).