نظامها على المبدأ الأزلي للعالم. وستتعرفون أكثر على خالق هذه الكائنات.
إنّ هذه الجملة تنفي بوضوح مسألة الجبر وسلب حرية الإرادة ، فهي تقول : إنّ الإيمان هو نتيجة التدبر في عالم الخلقة ، أي إنّ هذا الأمر في اختياركم.
ثمّ تضيف أنّه رغم كل هذه الآيات والعلامات الدالّة على الحق ، فلا داعي للعجب من عدم إيمان البعض ، لأنّ الآيات والدلالات والإنذارات تنفع الذين لهم الاستعداد لتقبل الحق ، أمّا هؤلاء فإنّه (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (١).
إنّ هذه الجملة إشارة إلى الحقيقة التي قرأناها مرارا في القرآن ، وهي أن الدلائل وكلمات الحق والمواعظ لا تكفي لوحدها ، بل إنّ الأرضية المستعدة شرط أيضا في حصول النتيجة.
ثمّ تقول ـ بنبرة التهديد المتلبسة بلباس السؤال والاستفهام ـ : هل ينتظر هؤلاء المعاندون الكافرون إلّا أن يروا مصيرا كمصير الأقوام الطغاة والمتمردين السابقين الذين عمهم العقاب الإلهي. مصير كمصير الفراعنة والنماردة وشدّاد وأعوانهم وأنصارهم؟! (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ).
وتحذرهم الآية أخيرا فتقول : يا أيّها النّبي (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فأنتم بانتظار هزيمة دعوة الحق ، ونحن بانتظار المصير المشؤوم الذي ستلاقونه ، مصير المتكبرين الماضين.
وينبغي الالتفات إلى أنّ الاستفهام في جملة (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) استفهام إنكاري ، أي إنّ هؤلاء بطبيعة سلوكهم هذا لا يمكن أن ينتظروا إلّا حلول مصير مشؤوم
__________________
(١) نذر جمع نذير ، أي المنذر ، وهو كناية عن الأنبياء والقادة الإلهيين ، أو هي جمع إنذار ، بمعنى تحذير وتهديد الغافلين والمجرمين الذي هو من برامج هؤلاء القادة الإلهيين.
وقد اعتبر البعض (ما) جملة (ما تُغْنِي الْآياتُ) نافية ، والبعض جعلها بمعنى الاستفهام الإنكاري ، وهي واحدة من حيث النتيجة ، إلّا أنّ الظاهر أن (ما) نافية.