ألف ـ يعتقد البعض أنّ هذا التفاوت من قبيل التنازل من مرحلة عليا إلى مرحلة أقل على سبيل المثال ، أن يقول قائل لآخر : إذا كنت ماهرا مثلي في فن الكتابة والشعر فاكتب كتابا ككتابي وهات ديوان شعر كديواني ، ثمّ يتنازل ويقول فهات فصلا مثل فصول كتابي ، إلى أن يتحدّاه بأن يأتي بصفحة مثل صفحاته.
ولكن هذا الجواب يكون صحيحا في صورة ما لو كانت سور الإسراء وهود ويونس والبقرة قد نزلت بهذا الترتيب ، كما هو منقول في كتاب «تأريخ القرآن» عن الفهرست لابن النديم ، لأنّه يقول إنّ سورة الإسراء رقمها في السور (٤٨) ، وسورة هود (٤٩) ، وسورة يونس (٥١) ، والبقرة هي السورة التسعون النازلة على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولكن هذا الكلام لا ينسجم مع ترتيب السور في التفاسير الإسلامية.
ب ـ يرى البعض أن ترتيب السور الآنفة رغم عدم توافقها مع ترتيب التحدي من الأعلى الى الأدنى ، ولكن نعلم أنّ جميع آيات السورة الواحدة لم تنزل مجموعة في آن واحد ، فبعض الآيات كانت تتأخر في النزول مدة ثمّ يلحقها النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالسورة الفلانية بحسب تناسبها معها ، وفي محل كلامنا هذا يمكن أن يكون الأمر كذلك ، وعلى هذا فإنّ تاريخ السور لا يتنافى مع التنزّل ، أو التنازل من مرحلة عليا إلى مرحلة دنيا.
ج ـ هناك احتمال آخر لحل هذا الإشكال هو أنّ أجزاء «القرآن» أجزاء تطلق على الكل وعلى البعض منه ، فنحن نقرأ في الآية الأولى من سورة الجن (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) وواضح أنّهم سمعوا بعض القرآن لا أنّهم سمعوا القرآن كلّه ، ولفظ القرآن في الأساس مشتق من القراءة ، ومن المعلوم أنّ القراءة والتلاوة تصدق على جميع القرآن وعلى جزء منه أيضا ، فعلى هذا يكون التحدي بـ «مثل القرآن» غير مقصود به التحدي بالإتيان بمثل جميع القرآن ، وهو ينسجم بهذا المعنى مع التحدي بعشر سور منه أو حتى بسورة واحدة.