طَرَدْتُهُمْ).
فطرد المؤمنين الصالحين ليس بالأمر الهيّن ، إذ سيكونون خصومي يوم القيامة بطردي لهم ، ولا أحد هناك يستطيع أن يدافع عنّي ويخلصني من عدل الله ، ولربّما أصابتني عقوبة الله في هذه الدنيا ، أم أنّكم لا تفكرون في أن ما أقوله هو الحقيقة عينها (أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
والفرق بين «التفكر» و «التذكّر» هو أنّ التفكر في حقيقته إنّما يكون لمعرفة شيء لم تكن لنا فيه خبرة من قبل ، وأمّا التذكر فيقال في مورد يكون معروفا للإنسان قبل ذلك ، كما في المعارف الفطريّة.
والمسائل التي كانت بين نوح عليهالسلام وقومه هي أيضا من هذا القبيل ، مسائل يعرفها الإنسان ويدركها بفطرته وتدبّره ، ولكن تعصب قومه وغرورهم وغفلتهم وأنانيتهم ألقت عليها حجابا وغشاء فكأنّهم عموا عنها.
وآخر ما يجيب به نوح قومه ويردّ على إشكالاتهم الواهية .. إنّكم إذا كنتم تتصورون أن لي امتيازا آخر غير الإعجاز الذي لديّ عن طريق الوحي فذلك خطأ ، وأقول لكم بصراحة : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ولا أستطيع أن أحقق كل شيء أريده وكل عمل أطلبه ، حيث تحكي الآية عن لسانه (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ولا أقول لكم إنّني مطلع على الغيب (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ولا أدعي أنّني غيركم كأن أكون من الملائكة مثلا (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) فهذه الادّعاءات الفارغة والكاذبة يتذرع بها المدّعون الكذبة ، وهيهات أن يتذرع بها الأنبياء الصادقون ، لأنّ خزائن الله وعلم الغيب من خصوصيات ذات الله القدسيّة وحدها ، ولا ينسجم الملك مع هذه الأحاسيس البشرية أيضا ..
فكل من يدعي واحدا من هذه الأمور الثلاثة المتقدمة ـ أو جميعها ـ فهو كاذب.
ومثل هذا التعبير ورد في نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا كما نلاحظ ذلك في الآية