انتخاب أحسن الكيفيات.
وفي نهاية الآية ينذر الله نوحا أن لا يشفع في قومه الظالمين ، لأنّهم محكوم عليهم بالعذاب وإن الغرق قد كتب عليهم حتما (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ).
هذه الجملة تبين بوضوح أنّ الشفاعة لا تتيسر لكل شخص ، بل للشفاعة شروطها ، فإذا لم تتوفر في أحد الأشخاص فلا يحق للنّبي أن يشفع له ويطلب من الله العفو لأجله (راجع المجلد الأوّل من هذا التّفسير ذيل الآية ٤٨ من سورة البقرة).
أمّا عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجد ـ ولو لحظة واحدة ـ في دعوة النّبي نوح عليهالسلام ويحتملوا على الأقل أن هذا الإصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من «وحي الله» فتكون مسألة العذاب والطوفان حتمية!! إلّا أنّهم واصلوا استهزاءهم وسخريتهم مرّة أخرى وهي عادة الأفراد المستكبرين والمغرورين (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ).
«الملأ» والأشراف الراضون عن أنفسهم يسخرون من المستضعفين في كل مكان ، ويعدونهم أذلاء وحقراء لأنّهم لا قوّة لهم ولا ثروة!! ومضافا بل حتى أفكارهم وإن كانت سامية ، ومذهبهم وإن كان ثابتا وراسخا ، وأعمالهم وإن كانت عظيمة وجليلة .. كل ذلك في حساب «الملأ» حقير تافه ..! ولذلك لم ينفعهم الإنذار والنصيحة. فلا بدّ أن تنهال أسواط العذاب الأليم على ظهورهم يقال أن الملأ من قوم نوح والأشراف كانوا جماعات ، وكل جماعة تختار نوعا من السخرية والاستهزاء بنوح ليضحكوا ويفرحوا بذلك الاستهزاء!
فمنهم من يقول : يا نوح ، يبدو أن دعوى النبوة لم تنفع وصرت نجارا آخر الأمر!