إزاء البركات الإلهية والسلامة وأن كل ذلك سيكون مهيّأ وموفّرا لهم فلا ينبغي الحزن على شيء .. مضافا إلى ذلك فقد يأتي الحزن والخوف من شيء آخر وهو الخوف على السلامة والصحة بسبب المستنقعات والمياه الآسنة الباقية من آثار الطوفان التي تهدد حياتهم بالخطر، فالله سبحانه يطمئن نوحا وأصحابه أيضا أنّه لا خطر يهددهم ، وأن الذي أرسل الطوفان لهلاك الطغاة قادر على أن يوفر محيطا سالما مليئا بالخيرات والبركات للمؤمنين كذلك.
هذه الجملة القصيرة تشعرنا وتفهمنا أن القرآن يهتم بالمسائل الدقيقة للغاية ، ويعكسها في عبارات مضغوطة شائقة وأخّاذة!.
كلمة «أمم» هي جمع «أمة» وهذا التعبير يدل على أن مع نوح طوائف من عباد الله وخلقه ، كما يدل هذا التعبير على أنّ الأفراد الذين هم مع نوح كل منهم سيكون سببا لوجود قبيلة وأمّة كبيرة ، أو أنّه فعلا كان مع نوح أفراد من قبائل وأمم متعددة فيشكل مجموعهم أمما أيضا .. ويرد هذا الاحتمال أيضا ، وهو أن الأمم التي كانت مع نوح تشمل مجموعة الحيوانات المتعددة ، لأنّ القرآن أطلق لفظ الأمّة عليها أيضا في مكان آخر من آياته ، فنحن نقرأ في سورة الأنعام الآية (٣٨) (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ).
فيتّضح بهذا أنّ نوحا وأصحابه هبطوا إلى الأرض بسلام ليجدوا بركات الله وليطمئنوا بالحياة الهانئة ، كذلك الحال بالنسبة إلى الحيوانات التي كانت معهم في السفينة وهبطت إلى الأرض ، فإنّ لطف الله شملها جميعا كذلك.
ثمّ يضيف القرآن مخاطبا نوحا أنّه ستعقب الأمم التي معك أمم من نسلها ، ولكن هذه الأمم ستغتر وتغفل عن نعم الله فتنال جزاءها من الله (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ).