عن لسان نبيّه نوح» ، ثمّ تلا الآيات المتقدمة. (١)
بعض الأشخاص اعتادوا على المرور بهذه المسائل مرور الكرام بأن يقيمون ارتباطا معنويا وعلاقة «غير معروفة» بين هذه الأمور ويريحون أنفسهم من كل تحليل. ولكن إذا دققنا النظر أكثر نجد بين هذه الأمور علائق متقاربة تشد المسائل المادية بالمعنوية في المجتمع كالخيط الذي يربط بين قطع القماش مثلا.
فأيّ مجتمع يكون ملوّثا بالذنب والخيانة والنفاق والسرقة والظلم والكسل وأمثال ذلك، ثمّ يكون هذا المجتمع عامرا كثيرا البركات!؟
وأي مجتمع ينزع عنه روح التعاون ويلجأ إلى الحرب والنزاع وسفك الدماء ، ثمّ تكون أرضه خصبة خضراء ، ويكون مرفها في وضعه الاقتصادي أيضا؟!
وأي مجتمع يغرق أفراده في دوامة الهوى والميول النفسيّة ، ثمّ في الوقت ذاته يكون قويّا راسخ القدم ويثبت أمام عدوّه؟!
ينبغي القول بصراحة أنّه ما من مسألة أخلاقية إلّا ولها أثر مفيد ونافع في حياة الناس الماديّة ، ولا يوجد اعتقاد وإيمان صحيح إلّا وكان لهما نصيب في بناء مجتمع عامر حرّ مستقلّ وقوي .. الافراد الذين يفصلون المسائل الأخلاقية والإيمان بالدين والتوحيد عن المسائل الماديّة لا يعرفون المسائل المعنوية حقّا ولا المسائل الماديّة.
وإذا كان الدين عبارة عن سلسلة من التشريعات والآداب الظاهرية والخالية من المحتوى بين الناس ، فمن البديهي أن لا يكون له تأثير في النظام المادي.
ولكن حين تكون الإعتقادات المعنوية والروحانيّة نافذة في روح الإنسان إلى درجة تظهر آثارها على يده ورجله ولسانه وأذنه وعينه وجميع ذرات وجوده ، فإنّ الآثار البنّاءة لهذه الإعتقادات في المجتمع لا تخفى على أحد.
وقد لا نستطيع إدراك علاقة الاستغفار بنزول البركات المادية جيدا ، ولكن
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٦١.