وكان ذلك عند ما تآمر مشركو مكّة على اغتيال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقتله ، وقد مرّ بيان ذلك في ذيل الآية (٣٠) من سورة الأنفال بالتفصيل ، حيث قرّروا بعد مداولات كثيرة أن يختاروا من كل قبيلة من قبائل العرب رجلا مسلّحا ويحاصروا دار النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلا ، وأن يهجموا عليه الغداة ويحملوا عليه حملة رجل واحد فيقطعوه بسيوفهم.
ولكن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اطّلع ـ بأمر الله ـ على هذه المكيدة ، فتهيأ للخروج من (مكّة) والهجرة إلى (المدينة) إلّا أنّه توجه نحو (غار ثور) الذي يقع جنوب مكّة وفي الجهة المخالفة لجادة المدينة واختبأ فيه ، وكان معه (أبو بكر) في هجرته هذه.
وقد سعى الأعداء سعيا حثيثا للعثور على النّبي ، إلّا أنّهم عادوا آيسين ، وبعد ثلاثة أيّام من اختباء النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحبه في الغار واطمئنانه من رجوع العدوّ توجه ليلا نحو المدينة (في غير الطريق المطرّق) وبعد بضعة أيّام وصل صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة سالما ، وبدأت مرحلة جديدة من تأريخ الإسلام هناك.
فالآية آنفة الذكر تشير إلى أشدّ اللحظات حرجا في هذا السفر التاريخي ، فتقول : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وبالطبع فإنّهم لم يريدوا إخراجه بل أرادوا قتله ، لكن لما كانت نتيجة المؤامرة خروج النّبي من مكّة فرارا منهم ، فقد نسبت الآية إخراجه إليهم.
ثمّ تقول : كان ذلك في حال هو (ثانِيَ اثْنَيْنِ).
وهذا التعبير إشارة إلى أنّه لم يكن معه في هذا السفر الشاق إلّا رجل واحد ، وهو أبو بكر (إِذْ هُما فِي الْغارِ) أي غار ثور ، فاضطرب أبو بكر وحزن فأخذ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يسرّي عنه ، وكما تقول الآية : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها).
__________________
الذي يدل (مفهومه) على وقوعه في الماضي أيضا ، لا يمكن أن يقع جزاء للشرط إلّا أن يكون الفعل الماضي بمعنى المضارع!